تسجيل ناصر والقذافي- كشف أسرار الماضي وتداعياتها على الحاضر.

المؤلف: حمود أبو طالب09.20.2025
تسجيل ناصر والقذافي- كشف أسرار الماضي وتداعياتها على الحاضر.

أثار تسجيل صوتي لمحادثة بين الرئيسين الراحلين جمال عبد الناصر ومعمر القذافي، ظهر فجأة على وسائل التواصل الاجتماعي بعد مرور 55 عامًا على وقوعه، اهتمامًا واسعًا بمحتواه الدقيق وتوقيت نشره المثير للريبة، وكذلك الجهة أو الجهات الخفية التي تقف وراء إطلاقه في هذا الوقت تحديدًا لإثارة هذه الضجة الهائلة.

شهدت حقبتا الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم أوج الخطاب الناصري المفعم بالحماس الذي نادى بإلقاء إسرائيل في غياهب البحر وتوحيد الصف العربي (تحت قيادة ناصر بلا منازع) بعد الإطاحة بأنظمته القائمة آنذاك، وتخليصه من نير الرجعية والاستعمار، وما هو أدهى من هذه الأوصاف التي كان يطلقها على الدول العربية وحكامها، وخاصة الأنظمة الملكية.

تبنى ناصر سلسلة من الانقلابات العسكرية في اليمن وليبيا والعراق وسعى جاهدًا لتنفيذها في المملكة العربية السعودية، وأقام وحدة قسرية وهمية بين مصر وليبيا، وحوّل لبنان إلى ساحة خلفية لأجهزته الاستخباراتية التي تتحكم بمجريات الأمور، وزج بمصر والعرب في حرب طائشة تكبدوا فيها خسائر فادحة، حيث فقدوا سيناء والجولان والضفة الغربية والقدس، في أسوأ هزيمة عسكرية ومعنوية مني بها الجيش المصري الذي دخل المعركة بفرق شاسع في التسليح والتقنية مقارنة بالجيش الإسرائيلي، ودون الأخذ في الحسبان التدخل الأمريكي الحتمي لدعم إسرائيل.

المثير للدهشة أنه بعد الهزيمة المرة، ظل الخطاب الناصري مهيمناً يذود عنها ويبررها ويتوعد بحرب أخرى، بينما الزعيم الناصري نفسه -كما كشفت تفاصيل المحادثة المسربة- بدأ يعلن تراجعه عن المواجهة، وعن القضية الفلسطينية بأكملها، ولم يعد يحلم إلا باستعادة سيناء. كان الزعيم المنهزم يسخر بتهكم من بعض القادة العرب حتى وهو في غمرة الهزيمة، في حين كانت جوقة الناصريين الغافلين تردد شعارات النصر وكأنهم محوا إسرائيل من الوجود.

تلك الفترة الحالكة كانت سببًا جوهريًا في نشوء العديد من الكوارث التي حلت بالعالم العربي، والتي لا تقتصر فقط على الحرب العبثية التي أضاعت الأرض، بل أفرزت جيلاً منفصلاً عن الواقع، غاض الطرف عن الحقائق، ومتعايشًا مع الوضع المزري الذي يعيش فيه دون أدنى سعي للتغيير. في حديث ناصر المذكور تلميحات غزيرة، بل اعترافات جلية بأوجه القصور في سياسته الشعبوية التي استغفلت الشارع العربي وحولته إلى قطيع كبير يردد شعاراته دون أدنى تفكير أو تمحيص.

واليوم، وبعد مرور ما يربو على نصف قرن على تلك الحقبة الزمنية، نرى أن جميع الدول العربية التي تدخل فيها ناصر بالإطاحة بأنظمتها قد تحولت إلى دول فاشلة أو تكاد تكون كذلك، في حين أن الدول التي كان يصفها بالرجعية والتخلف والجهل تتنافس مع أرقى دول العالم في مجالات العلوم والتنمية والاقتصاد والأمن والاستقرار.

إن الأوطان لا تشيد بالشعارات الرنانة والقرارات الطائشة، بل تبنى بمؤسسات الحكم الرشيدة والحكيمة والعاقلة التي تنشد الحياة الكريمة والرخاء لمواطنيها.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة